بقلم /، د. أيمن نور .. مبارك وسع سلطته واغتال أمته .. قوض كل السلطات واختار الأسوأ في كل موقع

منهجه «العناد» ويهوى التأشير عكس خط السير

فماذا لو مات فى ظل كل هذا الغموض والتعتيم ؟!!

نريد من هذه السطور مصارحة قد تصل بنا إلى حد المحاكمة نريد منها التماسا للحقيقة الضائعة بفعل إعلام مزيف يقلب الحقائق بينما هى شاخصة وصادمة لكل من له عين ترى وقلب يخشع بل وينفطر على ما وصلت اليه الاحوال فى هذا الوطن المبتلى والمثخن بجراح عميقة وغائرة بفعل استبداد يحكم وعناد يتحكم وفساد يطغى وغموض يسود على كل شىء يتصل بالماضى والحاضر والمستقبل؟!».

.. لا أبالغ اذا قلت ان هذه السطور هى اثبات لما آلت اليه الاوضاع فى مصر بعد 29 عاماً من حكم مبارك فلا أزعم ان مقالا واحدا أو عدة مقالات بمقدورها ان تقدم حصرا لما هو مستقر فى الاذهان لما ارتكب فى حق هذا الوطن خلال ربع قرن فقط!! هذه السطور تشير الى ملامح عامة وخطوط عريضة ربما يحتاج كل منها لسلسلة من المقالات.

.. ان الفارق كبير فى الصورة والانطباع لمن يمر بالاشجار واحدة واحدة وبين من يفتح عينيه على الغابة كلها.. اننا امام محاولة لرسم صورة كلية لغابة كاملة من التوجهات والسياسات والمنطق الذى حكم مصر لربع قرن متجاوزين الجزئيات والتفاصيل الى ملامح عامة.

.. اننا أمام غابة من الأخطاء المزمنة والاخفاقات المقترنة بالقصد والعمد وأحيانا بسبق الاصرار والترصد!!

.. نسعى ان نجمع حزما من هذه الاخطاء تحت سبعة عناوين لخطايا حكم الرئيس.

1- أقام سلطة.. واغتال أمة!!

.. فى زمن مبارك لم ينجح فى شىء قدر نجاحه فى اختزال الأمة فى الدولة واختزال الدولة بمؤسساتها فى اطار الحكومة واختصار الحكومة فى مؤسسة الرئاسة وتمحورت هذه المؤسسة وتحلقت حول شخصه وأسرته فقط لا غير.

.. لا اعرف كم كان الرئيس مبارك مصيبا ام مخطئا عندما استشعر منذ بداية سنوات حكمه ان غياب الملكات الشخصية «الكارزمية» لديه يستدعى منه تدخلا لتعديل الاوزان النسبية للمؤسسات فى مصر؟! ليصل بها جميعا لنقطة الصفر فيصبح هو الرقم الوحيد فى هذه الأمة!!

.. لقد عمد الرئيس منذ سنواته الاولى ان «يقزم» كافة المؤسسات والسلطات فى مصر وفى المقابل يضخم من حجم مؤسسة الرئاسة التى تضخمت فى عهده الى درجة غير مسبوقة فى أى عهد سابق ولم تكن مصادفة ان يواكب حالة التضخم فى مؤسسة الرئاسة فى سنوات مبارك تقزيم واختصار وتقليص لكافة المؤسسات والسلطات الاخرى وفى مقدمتها السلطة التشريعية التى حولها مبارك الى قاطرة تلهث خلف اشاراته ورغباته وتوجيهاته!!

إغتيال السلطة التشريعية

فى عهده شهدت مصر برلمانات ممسوخة الملامح مجروحة المصداقية تتصارع مع بعضها البعض فى افراغ دورها من مضمونه لتكون دائما هى مصب اللعنات من الأمة بوصفها كيانات تمثل بها وبمصالحها بدلا من ان تمثلها وتدافع عن مصالحها وليبقى الرئيس دوما هو المخلص والمنقذ والذى يتدخل فى اللحظة الاخيرة - اذا تدخل - ليصلح ما افسدته السلطة التشريعية فالشر هو من صنعها والخير دائما من الرئيس وما يروق للناس هو من وحى افكاره وما ينكد عليهم وينتقص من حقوقهم هو من البرلمان الذى اختاروه فلم يحسنوا الاختيار!!

بينما الحقيقة انه هو الذى يختار وهو الذى يخطط ويقسم الادوار بل انه من غير المدهش ان مؤسسة الرئاسة هى التي كانت كثيرا ما تفجر الملفات والفضائح التى تنتقص من قيمة ووزن هذه المؤسسة وتدفع ببعض كتابها واقلامها لإهانتها لتظل الصورة الوحيدة النقية هى صورة الرجل وأسرته بينما الآخرون لصوص وتجار مخدرات وقروض وسميحه أحيانا!!

تهميش السلطة التنفيذية

.. وما تعرضت له السلطة التشريعية من تقزيم واحتقار وتهميش لم تفلت منه سلطات أخرى مثل السلطة التنفيذية التى لم تعرف عبر ثمانى حكومات إلا انحداراً وتدنيا فى حجمها ووزنها.. فاذا كانت هذه السلطة التى جلس على قمتها فى بداية سنوات مبارك فؤاد محيى الدين فقد ظل المنحنى ينخفض - حكومة بعد اخرى - الى ان وصل بنا الحال الى عاطف عبيد ثم أحمد نظيف وإلى مجموعة من المدراء وليسوا وزراء سياسيين بل مجرد «تقنوقراط» عديمى الخبرة السياسية - فقط - منفذين لتوجيهات الرئيس بل والآن وخلال الحكومتين الاخيرتين لنجله جمال!!

.. ولم يكن مشهداً كوميدياً ولكن من ذلك الصنف الذى يمكن ان تسميه «بلاك كوميدى» ذلك المشهد المتكرر لرمز من رموز مؤسسة الرئاسة «زكريا عزمى» وهو يمعن فى اهانة الوزراء وأتهامهم بالفشل والغباء والفساد باعتباره هو ممثل الرعاية الرئاسية الإلهية فى البرلمان حيث تبدو الحكومات والوزراء هم الشر الذى تحاول مؤسسة الرئاسة لصاحبها مبارك الدفاع عن الناس منه.. وكأن الرئيس ليس هو الذى اتى بهم وابقي عليهم لسنوات ليكونوا مصدات لامتصاص غضب الناس من سياسات وتوجهات هو المسئول عنها واختيارات هو صاحبها.

تقويض السلطة القضائية

.. وليس بعيدا عن هذا ايضا ما تتعرض له السلطة القضائية من اصرار على وضعها فى موقف التناقض مع مصالح الناس عبر السيطرة عليها ورفض منحها حقها فى استقلال قرارها وألصاق جرائم الانتخابات والاستفتاءات المزورة بهذه الهيئة التى شهدت اختراقات غير مسبوقة فى عهد مبارك رغم كل الجهود المخلصة التى تمارس لانتزاع حقها فى استقلال حقيقى يعيد لها هيبتها وقيمتها ومصداقيتها كسلطة كاملة الاستقلال قادرة على ان تحقق ما هو منوط بها من مهام العدالة والحيدة وتنقية جسدها من طفح يظهر هنا او هناك!! وبدا واضحا لقضاة مصر الشرفاء ان المطلوب ان تظل هذه السلطة تابعة للسلطة الوحيدة المنفردة بهذا الوطن التى مازالت تختار النائب العام ولا تعترف بدور نادى القضاة وتدس بالوقيعة والشقاق والخلاف بين صفوف القضاة وتحاول ان تنفذ جانبا من رغباتها السياسية تحت لافتة القضاء واستقلاليته بينما هى تغتال هذه الاستقلالية بكل السبل والوسائل.

2- اختيار الأسوأ واستبعاد الكفاءات:

.. الخطأ فى الاختيار امر وارد.. لكن الخطيئة هى ان يتحول الخطأ فى الاختيار الى منهج دائم وحاكم لكافة الاختيارات فى الوطن وعلى كافة مستويات الدولة بالشكل الذى يعيد الى ذاكرتنا تلك القصة الشائعة عن ذلك المسئول الروسى الذى ظل يعمل لسنوات لحساب امريكا وبعد 20 عاما لم يفتضح فيها امره وقبل وفاته اعلن انه كان يعمل لصالح امريكا وكانت كل مهامه هى فقط ان يختار الأسوأ فى كل كشف يعرض عليه لاختيار القيادات فى هذا الموقع أو ذاك!! وليس على سبيل المبالغة القول ان هذا الرجل هو صاحب الفضل الأول فى انهيار الاتحاد السوفيتى وانشطاره والقضاء على هذه القوة العظمى والقطب الدولى الثانى فى العالم!!

.. احسب ان سطور هذا المقال مجتمعة لن تكفى لأمثلة فجة من الاختيارات التى تستحق جميعا ان توصف بأنها الأسوأ على كافة الاصعدة والمستويات وبقدر وضوح انحياز سنوات مبارك للأسوأ دائما بقدر وضوح نفورها واستبعادها للكفاءات الحقيقية وطردها للوجوه المقبولة شعبيا او التى صادفت قبولا أو جماهيرية فسرعان ما يلفظها النظام وفقا لقاعدة البقاء للأسوأ وليس نموذج احمد زويل ببعيد عن الاذهان!!

من معك _= من أنت؟

.. اذا أردت ان اعرف من انت؟ فعلى أن اتفحص من معك لأعرف - ليس فقط - من أنت؟ ولكن أيضا ماذا تريد ان تفعل؟ ومدى امكانية أن تفعل هذا أو تفشل فيه!!

فالسادات مثلا كان يحيط به عدد من الكبار امثال سيد مرعى وعثمان احمد عثمان وممدوح سالم ومنصور حسن والجمسى وأبو غزالة وكان من بين مستشاريه المؤثرين العملاق حافظ اسماعيل مستشار الأمن القومى وحسن التهامى وغيرهما من الاوزان الثقيلة التى اضافت الى قدرات السادات كان مثلا كاتبه المفضل والمقرب أنيس منصور وكان وزراء خارجيته اسماعيل فهمى وابراهيم كامل وغيرهما من العلامات فى تاريخ الخارجية المصرية وعلى النقيض نجد الحال بعد سنوات الرئيس مبارك التى شهدنا فيها اوزانا مختلفة واسماء ربما لا يمكن ان تعلق بأذهاننا وذاكرتنا اما لخفتها أو لقلة شأنها ويكفى ان نقول ان هيكل المرحلة كان سمير رجب وبعد 24 عاماً استبدلوه بعبدالله كمال(!!).

من ينجح يخرج!!

.. لم يكن مدهشا فى زمن مبارك ان يخرج احمد الجويلى ويحل محله حسن خضر!! أو يخرج عمرو موسى ليحل محله احمد ماهر واحمد أبو الغيط «لا حول ولا قوة الا بالله» وأن تخرج نادية مكرم عبيد ليحل محلها من لا يمكن ان تتذكر اسمه ويأتى بعده من هو اقل بكثير من سابقه.. وعلى نفس النهج يخرج احمد رشدى وزير الداخلية بعد شهور قليلة ليحل محله زكى بدر وليستمر ويستمر.. ويخرج مصطفى الفقى ليحل محله رضا شحاتة!! ويخرج اسماعيل سلام ليحل محله تاج الدين ويخرج البشرى ليحل محله النمرس وبعده عثمان وتخرج ميرفت التلاوى ليتولى مهامها الآن مدير مصلحة البريد السابق «المصيلحى» ويخرج توفيق عبده اسماعيل ويحل محله الآن اسماء ما انزل الله بها من سلطان عرفنا وزراء أتت بهم الصدفة أو وزراء الشلة ووزراء اتوا من دورات المياه!! عرفنا من نجح فخرج ومن فشل فاستمر.

من يفشل يستمر!!

.. واذا كانت امثلة الفشل اكثر بكثير من امثلة النجاح فليس هناك دليل انجح من ذلك الوزير الذى جاء محمولا على صداقته بنجل الرئيس فتولى وزير دولة ففشل الى درجة استبعاده من اجتماعات ومفاوضات هامة وحساسة خشية ان ينقلها للطرف الآخر!! وبعدها اصبح وزيراً للاقتصاد فانهار الاقتصاد وقال لا أمل فى التصدير فى مقولة شهيرة: «التصدير انسو» فتم تعيينه بعد هذه القولة الشهيرة وزيرا للتجارة الخارجية - أى التصدير - ثم كان الفشل حليفة فأهديناه حقيبة مالية مصر!! ولم يكن هذا الوزير هو الوحيد الذى تقاضى ثمن فشله استمرارا وتصعيدا انما هو فقط نموذج متكرر ليس فقط فى مجال الاختيارات الوزارية بل على كافة مستويات الاختيار.. وما حدث فى اختيارات الصحف القومية مؤخرا هو نموذج آخر لاختيار الاسوأ والثمن مزيد من الخسائر ومزيد من الفشل وا ذا كانت الذاكرة مازالت تحمل صاعقة اختيار وزير للصناعة فى عهد مبارك ظل يصرخ انه جاء فى الموقع الخطأ وانه كان ينبغى ان يكون وزيرا للتعدين والبترول فمازالت الذاكرة تحمل صاعقة اخرى عندما تم اختيار الزميل محمود صلاح رئيسا لتحرير «آخر ساعة» بينما هو اشهر صحفى حوادث وكان مكانه الطبيعى رئاسة تحرير «اخبار الحوادث» التى تولي رئاسة تحريرها فى هذا الوقت محمد تبارك وكان موقعه الطبيعى هو رئاسة تحرير «آخر ساعة»!! وعلى مستوى المحافظين حدث ولا حرج وعلى مستوى شركات القطاع العام سابقا وقطاع الاعمال لدينا مئآت الامثلة لجريمة الاختيار الخطأ الذى ندفع وسنظل ندفع ثمنا باهظا له.

3- يهوى العناد ولا يهتم بالثمن!!

.. الرئيس مبارك كان يهوى فى وقت الفراغ ان يلعب الاسكواش.. لكنه يهوى فى كل الاوقات ان يمارس لعبة العناد.. فالرجل يفخر ويفخر من حوله بأنه عنيد!! اذا اردت ان تحمله على الابقاء على مسئول فعليك ان تقول له ان الناس تمقته وتكرهه وتلعنه كل صباح!! واذا اردت ان تخلع احد المقربين منه فعليك ان تلمح له ان الرجل يحظى بقبول لدى اوساط واسعة من الجماهير أو المثقفين او ان لديه حضوراً وقبولاً هنا أو هناك!! اذا اردت ان تدفع الرئيس ان يتخذ قرارا بعينه فقط عليك ان تبلغه ان الناس تريد هذا القرار ويطالبون بصدوره والعكس هو الصحيح!! ليس مهما ان يكون ثمنا لهذا العناد هو تأخر قرارات مصيرية.. ولا يهمه ان يتحمل الناس عبء هذا العناد من اعصابهم ودمائهم المحروقة دائما لكن المهم ان يمارس الرئيس هوايته ومتعته فى معاندة الناس.

التأشير عكس خط السير!!

اذا ما اعلنت إحدى الصحف او كلها عن قرب موعد التغيير الوزارى فعليك ان تعرف ان التغيير سيتأجل!! واذا اعلنت الصحف عن تأجيل التغيير عليك ان تتوقع حدوثه!!

.. اذا رشحت اتجاهات الرأى العام مسئولا للخروج من موقعه عليك ان تعلم انه باق!! اذا طالبت كل الاحزاب فى الحوار الوطنى بتعديل الدستور يرفض الرئيس(!!) واذا ما وافقت معظمها - عدا الغد والناصرى - على تأجيل التعديل ما بعد الاستفتاء انفرد هو بإعلان تعديل الدستور(!!).

.. اذا ما طالبت الاحزاب المشاركة فى الحوار الوطنى بالعودة لنظام الانتخابات بالقائمة اعلن اصراره على الفردى وعندما كانت هذه الاحزاب تطالب بالعودة للنظام الفردى فرض عليهم القائمة المطلقة والنسبية والقائمة بالمقعد الفردى!!

يا مثبت العقل والدين!!

.. خلال ربع قرن من سياسة «العناد القومى» التى تبناها الرئيس دفعنا ثمنا باهظا لهذا المنطق الذى يذهب بالعقل ويخرج الانسان عن مشاعره وصبره واحتماله لسنوات كنا نطالب الرئيس بمنح الجنسية المصرية لأبناء المصرية المتزوجة من اجنبى وكان يتهم الداعين لهذا بالخيانة؟! فكيف نقبل ابناء الفلسطينيين والسودانيين ان يدخلوا الجيش المصرى؟!! وبعد سنوات من العناد أعلن عن مبادرته بقبول منح الجنسية لأبناء المصرية واعتبرها حدثا عظيما ينبغى معه ان تدمى ايادينا من التصفيق لسيادته على اتخاذه هذا القرار!! دون ان يعتذر لنا او لأصواتنا التى بحت لسنوات بهذا المطلب العادل!!

.. منذ سنوات ونحن نطلب قانون ضرائب جديداً - دون جدوى - وبعد عشرات السنين يصدر ما طلبنا به منسوبا - طبعا - لسيادته دون ان يفكر فى مجرد اعتذار على التأجيل الذى دفعنا ثمنا غاليا له!!

.. انه العناد من اجل العناد والمكابرة فى انه يحرمنا حتى من حقنا فى ان نسمع ولو لمرة واحدة كلمة اعتذار عما تحملناه من كوارث بسبب رغبته ومتعته بالعناد معنا!!

4- الغموض والتعتيم والتخمين!!

.. دون مبالغة تعد اهم سمات دولة الرئيس مبارك التى تصب فى خانة الخطايا هى انها دولة الغموض واهم المهارات التى تفوق فيها شخصيا هى مهارة التعتيم واذا جاز لنا ان نسميها مهارة أو شطارة وهى بالقطع ليست كذلك اذا كانت تمارس على اصحاب الحق فى المعرفة ويمارس عكسها مع الآخرين!! فمبارك يرى دائما انه غير مضطر ان يحيط الشعب الذى يحكمه الا بما قرره وبعد ان يكون اتخذ القرار لا يؤمن بحق الشعب فى عقد اجتماعى يرتب حقوقا والتزامات محددة ومعلومة ومرتبطة بجدول زمنى واضح.

.. دائما يحتفظ مبارك بكل اوراق اللعبة وهو يلعب مع المصريين بينما يفعل العكس مع امريكا التى دعمته طوال سنوات حكمه وحتى الآن!!

.. لا احد يعرف - مثلا - لماذا لم يختر الرئيس خلال 25 عاما نائبا له؟! ويبقى السؤال الأهم..

ماذا لو مات مبارك اليوم؟

لو وجهت هذا السؤال لرئيس وزراء مصر الحالى او احد وزرائها او احد المشاركين فى السلطة محافظا أو قياديا فى الحزب الحاكم او مواطنا عاديا او معارضاً سياسيا او استاذا فى الجامعة أو دبلوماسيا او بائعا متجولا أو خبيرا ومحللا سياسيا او اقتصاديا او تاجر فى وكالة البلح او صحفيا بالقطعة أو رئيس تحرير جريدة الاهرام او محرر باب فلك النجوم و الطالع فيها لن تجد اجابة(!!) لا احد لديه رد(!!).

حتى اذا صرخت بأعلى صوتك بهذا السؤال لن تسمع الا صدى صوتك!! لو اجريت على هذا السؤال مسابقة على رقم من ارقام صفرين تسعمائة لن يدق الرقم!!

لن تجد اجابة عند 72 مليونا - الا ثلاثة افراد - الا من ذلك الصنف الذى يشير لحالة الغموض والتعتيم الطويل الذى تعيش فيه على غرار: ربنا يستر؟! ربنا يلطف؟! الله وحده يعلم؟! تفتكر انت مين؟! أو تفتكر إيه يمكن ان يحدث؟!

عار كبير!!

.. عار الا تملك امة علمت العالم الحكمة والعلم علما بما تنتظره اليوم أو غدا!! عار ان يشعر 72 مليون مواطن - الا ثلاثة - انهم اجزاء فى عزبة الباشا الذى لا يجوز لهم ان يعرفوا أو يسألوا عن اسمه أو لونه أو دينه أو نوع جلد نعل حذائه قبل ان يلعقوه!! هل نحن اجراء أم شركاء فى هذا الوطن؟؟! هل يصل الحد من حرية الرئيس مبارك ان يقوض حريتنا فى ان نعرف بعد 25 سنة ما هو مستقبلنا ومستقبل اولادنا؟! وما هى الآلية التى ستمنحنا - او تحرمنا - ان نختار من يحكمنا؟!.

عار كبير ان يصل الغموض والتضليل ان يعلن الرئيس ويتعهد فى برنامجه بتعديل الدستور ووضع دستور جديد ثم يعود ويتراجع.. ويناور بالشكل الذى بدت به تصريحاته الاخيرة مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية فى رحلته العربية!! تاركا الباب امام احتمال وحيد وهو أن يورث نجله بسياسة الأمر الواقع اذا غاب اليوم او غدا فى ظل بقاء الدستور على ماهو عليه!!

5- ا لجمود والاصلاح المزيف والطوارىء!!

.. من اهم خطايا الرئيس مبارك انه استطاع ان يعلب هذه الامة ربع قرن عشنا فيها جمودا وصدودا عن فكرة الاصلاح الحقيقى حتى في حدوده الدنيا.

لقد بدأنا رحلة الاصلاح بعد ربع قرن من الانتظار وبعد ان تحركت عجلة الاصلاح فى معظم دول العالم اميال واذا بها فى مصر تتحرك خطوة تصورنا انها للامام اذ بقوى الجمود تعود بنا خطوات للخلف وتفرغ ما تصورنا اننا حققناه من مضمونه وتقدم صورة مزيفة لإصلاح شخنا ولم يأت!! وأصيب المجتمع والدولة بأمراض خمسة وعشرين عاما من الاخطاء الفادحة والعقم والجمود وتصلب الشرايين وقبلنا ان نصلح ما افسدوه!! اذ بالمفسدين يقررون ان يصلحوا هم ما افسدوه!! ولكن وللاسف بنفس الآليات والادوات والمنطق الذى ألحق بنا كل هذا الفساد والفشل والضرر!!

خطوة للامام وعشرات للخلف!!..

.. عندما جاء مبارك للحكم افرج عن 1600 معتقل سياسى اعتقلهم السادات فى قرارات سبتمبر وخلال 25 عاما اعتقل الرئيس مبارك خلالها (71 ألف) معتقل!! مازال منهم داخل السجون ما لايقل عن 20 ألف معتقل!! ونعجب ان البعض مازال وهو يعدد انجازات الرئيس ومآثره وافضاله ان يقول لقد افرج الرئيس عن 1600 معتقل فور توليه الرئاسة ويتجاهل 71 ألف معتقل دخلوا السجون والمعتقلات فى سنوات حكمه التى لم تتخللها دقيقة واحدة لم تحاصرنا فيها الطوارىء التى بدأت مع بداية عهده وحتى الآن!!

.. عندما نقول ان مبارك هو الذى عدل المادة 76 وسمح باجراء اول انتخابات رئاسية بين اكثر من مرشح.. فعلينا ان نذكر ايضا الحقائق الآتية: ان التعديل كان مشوها وان الانتخابات كانت مزورة !! وبدون رقابة!! وأن الرئيس اجهز بدولته البوليسية على من كان منافسا له وحل بعده ثانيا فى الانتخابات المزورة!! بل انه ايضا حول النص 76 من باب لا هو مفتوح ولا موصد فى الانتخابات الماضية الى باب للاحتكار والتزكية عبر الانتخابات القادمة التى لا تنطبق شروط النص فيها الا على مرشح الوطنى اى نجل الرئيس؟!!

شيخوخة نظام!!

الذى شاخ ليس هو شخص الرئيس بل كل النظام الذى حمل ذات الوجوه والافكار والشخوص والرموز والمنهج.. ان اعادة طلاء وجه النظام او ترميم شروخه او استنساخ خلايا من خلاياه لا يمكن ان يطيل من عمره.. او يسمح له بأن يعيد التجريب فينا لحقبة جديدة.. ان مصر بحاجة لتغيير يطول الشخوص والافكار والاجيال والتوجهات.

.. ان مهاتير محمد الذى تسلم حكم بلاده عام 1981 مع مبارك وحقق لماليزيا كل ما حققته تنحى عام 2003 - منذ 3 سنوات - تاركا لبلاده حرية اختيار من يخلفه كذلك فعل الزعيم التاريخى الافريقى نيلسون مانديلا الذى ترك الحكم الذى قضى يناضل فى السجون ربع قرن ليصل اليه مؤكدا ان هناك فارقا بين الزعيم والكابوس الذى يظل جاثما على الصدور.. كذلك فعل رئيس «جيبوتى» حسن جولسيد بعد ان تقدمت سنه وشعر انه لم يعد لديه ما يقدمه!!

6- الفساد لعبة الكبار والانجال!!

.. ان الحيرة تستبد بعامة الناس فى مصر؟! الى متى ستظل مصر تحتمل كل هذا القدر من انتهاك الشفافية وسيادة قيم الفساد لايزال المعلوم الشائه فى وعى الناس يسحب الكثير من رصيد مصداقية اى حديث شفوى عن مقاومة الفساد او الضرب على ايدى كبار صغار المفسدين تاركين اللعب للكبار فقط وللانجال احيانا!! هناك اسئلة مشروعة نطرح جانب منها علنا عبر هذه السطور ومعظمها يتردد سرا بين الناس!!

أسئلة خطيرة..

لماذا لا يفصح الرئيس عن تفاصيل الصفقات السرية التى فوضه البرلمان فى عقدها وينتهى التفويض تلو الآخر ولم يعرض الرئيس تفاصيل صفقات جاوزت قرابة 200 مليار جنيه مصرى خلال 24 عاما مضت؟! (للتفاصيل ارجع لمقالنا الاربعاء الماضى الصفحة الاخيرة).

ما الشركات التى لعبت دورا فى نقل أو اتمام بعض هذه الصفقات وما مقدار ما حصلت عليه من عمولات وما اسماء اصحابها او الشركاء فيها؟!

لماذا لا يظهر فى الموازنات الرسمية نفقات مؤسسة الرئاسة وقصورها ورحلات الرئيس وتكاليفها؟ (راجع مقالنا الاربعاء قبل الماضى) وما مدى صحة استخدام نجل الرئيس لطائرة خاصة للسفر الاسبوع الماضى لساعات الى بيروت لشراء مستلزمات عقد القران هو وخطيبته ولقائه بسعد الحريرى ومن تتحمل نفقات هذه الطائرات الخاصة (راجع فى هذا مانشرته الصحف اللبنانية وكذلك جريدة «الدستور» العدد 52 الصفحة السابعة).

الخسائر التى لحقت الصغار المضاربين بالبورصة الثلاثاء قبل الماضى والتى تجاوزت 10 مليارات يتردد انها تحولت مكاسب شركات تقدم لها الخبرة بعض الذين يخلطون بين العمل السياسى وتقديم استشارات لصناديق استثمار ومضاربين كبار بالبورصة؟!

ما مدى مشاركة بعض هؤلاء فى عملية شراء ديون مصرية واعادة بيعها وتحصيل قيمتها من مصر بما حقق لهم مبالغ ضخمة ما كان يمكن تحقيقها الا من خلال قدرتهم على تحصيل قيمة هذه الديون بفعل نفوذ سياسى كبير؟!

ما سر احتكار الحديد فى مصر لأحد اقرب المقربين للسيد جمال مبارك وهو احمد عز وهو ايضا امين تنظيم الحزب الوطنى وما حجم انفاق عز على الحزب الوطنى والتبرعات التى قدمها ولماذا لم تنشر فى صحيفة الحزب الوطنى كما ينص القانون قبل تعديله؟ وكم حجم ما انفقه عز على حمله انتخابات الرئاسة؟!

من يحمى مالك العبَّارة وشركة السلام وكيف سمح له بالسفر للخارج ولماذا لم ترفع الحصانة عنه قبل سفره ولماذا ترفع الآن؟! ولماذا رفعت هذه الحصانة فى اقل من 12 ساعة فى واقعة توكيلات حزب الغد الملفقة؟! وما هى المقاييس فى عهدكم ومعايير المساواة امام القانون وجهات التحقيق؟!

هل صحيح ان مصر الرسمية عبر الشركات التابعة لقطاع الاعمال وللدولة انفقت 8 مليارات جنيه هدايا نهاية العام الماضى؟! ولمن قدمت هذه الهدايا وهل هذا فساد ام اصلاح؟ (راجع المصدر حوار ابراهيم عيسى مع الخبير الاقتصادى احمد النجار رئيس تحرير التقرير الاقتصادى الاستراتيجى بالاهرام).

هل كان الدين المحلى عام 1981 مع بداية ولايتكم 11 مليار جنيه فقط واصبح العام الماضى 521 ملياراً؟! وما مصير شركة عمر افندى وكيف نقبل ان يستمر مسلسل نهب ثروات مصر فنبيع سهم المحمول بـ 10 جنيهات وسعره 180 جنيها ونبيع شركة الاهرام للمشروبات بثلث ثمنها ونبيع شركات المراجل بواحد على 25 من ثمنها ونبيع شركات الاسمنت الرابحة وارجو ان يجيبنى عاقل فى هذا الوطن عن هذا اللغز القادم وهو:

نشرت شركة اسمنت بورتلاند طره المصرية احدى شركات السويس للاسمنت التى بيعت للاجانب يوم الثلاثاء الماضى بيانا عن نشاطها من 1/1/2005 وحتى 31/12/2005 وذلك على الصفحة الاخيرة من جريدة الجمهورية العدد رقم 19069 واشير هنا للبيان الخاص بصافى ارباح الشركة عام 2005 وهو = 580،026،763 جنيها مصريا!! نقول 700 مليون فى عام واحد فقط اريد ان اعرف سعر بيع هذه الشركة.

واضيف ان الشركة باعت اراضى تحت بند ايرادات غير عادية قيمتها 607 ملايين جنيه مصرى؟! اريد ان اعرف كم كان سعر بيع هذه الشركة وكم كان تقييمها ومبروك لرئيسها والعضو المنتدب جورجيو حناليا ولمديرها ماسيليس كالكونوس ولا عزاء لعمر افندى(!!).

7- متفرغ للسياسة الخارجية وكأن مصر بلا مشاكل!!

سابع الخطايا الكبرى للرئيس مبارك انه شبه متفرغ للقضايا الخارجية موزعا وقته وجهده وحنكته على قضايا العالم وكأن مصر خلت من الهموم والقضايا اسخف ما قرأته هذا الاسبوع فى احدى الصحف القومية عقب لقاء مبارك بالرئيس الكورى هو تعليق مضحك يقول ان الرئيس مبارك سيتدخل فى شأن المشكلة بين الكوريتين!! اهناك هزل اكثر من هذا؟!

هل يملك الرئيس ان يفيدنا كم من الوقت يقتطعه لمصر من بين هذه الاهتمامات الدولية والعربية والاقليمية.

ارجو ألا يقول ان كل هذا من اجل مصر وفرص العمل فلو كان الامر كذلك لكانت 24 عاما مضت جعلت مصر تستورد العمالة من امريكا نفسها بعد ربع قرن من الجهد الضائع!! والفشل المتواصل على الصعيدين العربى والاقليمى.. بل والدولى اننا نريد ان نسأل الرئيس كم مرة زار خليج العقبة وكم مرة زار مدينة السويس كم مرة هبط بطائرته الى دبى وكم مرة زار دمياط مثلا.

.. نريد ان نسأل كم ساعة يقضيها الرئيس مع اعضاء الكونجرس الامريكى الذين يحضرون الى مصر فرادى.. وكم مرة التقى بنائب من اعضاء مجلس الشعب المصرى!! كم زعيم معارضة اوروبى أو شرقى او غربى التقاه مبارك وكم مرة التقى فى حياته بزعماء المعارضة المصريين!!

كنا نتمنى ان نقول انه من الخطأ تحقيق نجاح فى الخارج والاغراق فى الفشل فى الداخل لكن يعز علينا ان نقول ان الاوضاع العربية وما آلت اليه الاوضاع فى منطقتنا يؤكد انه لا نجاح فى الداخل ولا فى الخارج وان مصر خسرت وفقدت الكثير من وزنها وتأثيرها عبر سنوات حكم الرئيس ليكون انشغاله بالخارج عن الداخل آخر ملف خطايا الرئيس . أو بالأصح في الوقت الحالي .