تحدثنا من قبل عن أربع مواطن للقوة الأمريكية و هي :
- آلية إتخاذ القرار .
- كيف يأتي الرئيس .
- التضامن الإجتماعي .
- المرأة .
و الآن نتحدث عن التعليم و الذي يعد أحد الركائز الرئيسية للنtilde;ئيسية للنهضة .
و قبل أن أخوض في هذا المقام أود أن أذكر أنني قمت بزيارة لمدرسة تدرس للأطفال تحت سن 3 سنوات في إحدى مدن و لاية فلوريدا ، و في نظرة لأحد الفصول وجدت طفلاً لا ينظر لأحد فسألت المعلمة عنه فقامت بمناداته ، و إذا بالطفل يقوم من على كرسيه و يقوم بإعادة الكرسي تحت الطاولة التي يجلس عليها ثم أتي للمعلمة و هو يهرول بهدوء ، و وقف يتحدث كما لو كان رجلاً كبيراً و ليس طفلاً صغيراً !
لفت نظري في هذا اللقاء عدة أمور / أولها .. أن الطفل يحافظ على المكان الذي يجلس فيه ، ليس فقط على نظافة المكان و إنما أيضاً على المنظر العام للمكان ، و ثانياً .. أن الطفل كان يسبق سنه فبمجرد حديث المعلمة معه تشعر و كأنك يمكن أن تتحاور معه في أمور أكبر من سنه .
و بمناسبة الحديث عن الأطفال فإنني أجد ضرورة إلى التنويه للحماية القانونية الخاصة بهم :
إن الأطفال في أمريكا يتمتعون بحماية أكبر من الحماية القانونية و الدستورية المكفولة للمرأة ، فالأطفال في أمريكا ممنوع الإقتراب منهم أو اللمس !
إذ أن الإقتراب أو اللمس دون إذن الأهل يعد تحرشاً جنسياً ، و يحق لأهل هؤلاء الأطفال مقاضاة كل من قام بلمس أطفالهم ، فلو وضع شخص يديه على شعر طفل كما هو معتاد في مصر أو الشرق الأوسط ! فإنه يعد مجرماً أمام القانون الأمريكي ، و قد صادفت بعض قضايا إتهم فيها بعض الشخصيات من الشرق الأوسط بالتحرش الجنسي بالأطفال في حين أنهم لم يتحرشوا بهم ! و إنما مارسوا عادات موجودة في بلادهم ! مثل القبلات أو رفع الأطفال أو ... إلخ من عادات الشرق الأوسط !!
و الواقع أن الأمريكين يتنازلون عن مقاضاة كل من لا يعلم أن الإقتراب من الأطفال تحرش جنسي ، و كان تصرفه ناتج عن جهل بالقانون و عن عادات موجودة في بلاده ، إلا أنني أردت أن أذكر هذا الأمر حتى يعلمه كل من يقرأ مقالي هذا .
نأتي الآن للحديث عن السياسة التعلمية في أمريكا :
تختلف سياسة التعليم في أمريكا عن التي نعرفها في مصر فالتعليم الأساسي هو 8 سنوات تشمل الإبتدائي و المرحلة الإعدادية .
ثم المرحلة الثانوية و هي المؤهلة لدخول الجامعة ، و تعليم ما قبل الجامعي منه العام و منه الخاص فكافة الولايات الأمريكية تتكفل بالتعليم حتى المرحلة الثانوية ، و التعليم الخاص ليس بدرجة واحدة في قيمة المصاريف الدراسية ، فقد تختلف من مدرسة إلى أخرى كما قد تختلف من مرحلة إلى أخرى .
التعليم الجامعي و هو ينقسم إلى قسمين :
أولاً / المرحلة الأولى :
- و عندما نقول التعليم الجامعي في أمريكا ، فإننا نقول الجامعة فقط ، و لا نقول الكلية فالجامعات الأمريكية لا تعرف كليات كما هو متعارف عليه في مصر .
- الجامعات في أمريكا يزيد عددها عن 5000 جامعة موزعة على 50 ولاية أمريكية أي أنه بمعدل كل ولاية توجد 100 جامعة !
- لكل جامعة أقسام ، و قد تصل الأقسام إلى 250 قسم و الطالب هو الوحيد الذي يحدد أي قسم يريد أن يدرس .
- القسم يدرس عبر 4 سنوات ميلادية و قد تقل إلى 3 سنوات و قد تزيد 5 سنوات ، و سبب الإختلاف يرجع إلى رؤية الطالب وحده فكل طالب حر في إختياراته فمن يود الحصول على الشهادة الجامعية في 3 سنوات يستطيع و من يريد أن يتمهل في التعليم لــ 5 سنوات يستطيع أيضاً !
- هناك جامعات بها 3 فصول دراسية على مدار السنة لتسهيل عملية إنهاء الدراسة لمن يريد السرعة !
- تنقسم مواد الدراسة في الجامعات الأمريكية إلى 4 أقسام رئيسية أولآ / العلوم الإجتماعية ، و ثانياً / العلوم الإنسانية "الإنسانيات" , و ثالثاً / المواد العلمية ، و رابعاً / يكون لمواد التخصص .
- الإنفراد في التعليم الأمريكي يرجع إلى منح الطالب حرية إختيار المواد التي يرغب في دراستها فهو يختار 10 مواد في العلوم لإجتماعية و 10 مواد في العلوم الإنسانية و 10 مواد في المواد العلمية كما أنه يختار 10 مواد أخرى في مواد التخصص ، و عدد المواد هنا لا يتجاوز 40 ماده على مدار 4 أعوام أي كل عام لا يزيد عن 10 مواد فقط و قد يقل في جامعات أخرى .
المدهش أن التعليم متنوع وثقافاته مختلفة و ليس معنى التخصص أن الطالب يبتعد عن الأدب أو الفن أو التاريخ و الجغرافيا أو المواد العلمية ، فجميع الطلاب يطلعون و يدرسون الأدب و الفن و التاريخ و الجغرافيا .... إلخ من كل ما يمكن أن يغذي العقول .
المرحلة الثانية :
المرحلة الثانية هي الخاصة بالأعمال المهنية مثل الهندسة و الطب و القانون ، فلا يكفي لممارسة هذه المهن دراسة الــ 4 سنوات من المرحلة الأولى بل يجب دراسة مرحلة أخرى متخصصة جداً " Professional schools" و تعني تلك الجملة.. المدارس المهنية ، و المدرسة هنا لا تعد للتعليم ما قبل الجامعي كما هو الحال في مصر و إنما هي مدارس لمرحلة ما بعد الجامعي !
- و لا يستطيع كافة الخريجين دخول هذه المدارس المتخصصة إذ أن هناك شروطاً للإلتحاق بها فبغض النظر عن مصاريفها الباهظة جداً ! فإن الإلتحاق بها يكون عن إجتياز إختبارات معينة و العجيب أن هذه الإختبارات لا تقوم تلك المدارس المهنية بإجراءها إذ أنها تجرى عن طريق شركات متخصصة في عمل هذه الإختبارات ، و جميع هذه الشركات خاص و ليست عام ! و تعطي هذه الشركات شهادات معتمدة يستطيع الطالب من خلال تلك الشهادات أن يتقدم بها إلى المدارس المهنية و جميع الشهادات بها النسبة المئوية للطلاب اللذين إجتازوا هذا الإمتحان أو الإختبار .
- يتقدم الطالب بعد ذلك بشهادته التي حصل عليها في الإختبار الذي قام بإجراءه إلى المدرسة المهنية التي يرغب بالإلتحاق بها .
- جميع المدارس المهنية تكون ملتزمة بحد أقصى لعدد الطلاب ، و بالتالي هي لا تقبل كل المتقدمين إليها حتى و إن ضاعفوا المصاريف الدراسية !
- تكون النسبة المئوية للمتقدمين هي الفيصل في القبول في الدراسة .
- يستطيع الطالب الذي لم يوفق في الإلتحاق بالمدرسة التي كان يريدها أن يتقدم إلى مدرسة مهنية أخرى في أي ولاية أخرى أو ينتظر إجراء مسابقة جديدة في نفس المدرسة و يعاود التقدم من جديد بنفس الشهاد التي حصل عليها .
- مدة الدراسة بهذه المدارس هي 3 سنوات ميلادية .
- يحمل خريج هذه المدارس الرخصة الأولى لممارسة المهنة ، إذ أن مهنة المحاماة مثلاً تتطلب لممارستها بعد ذلك إجتياز إمتحان النقابة العامة للمحامين في الولاية ، و هو أمر ليس بالسهل أيضاً ، فقد يرسب الشخص في إمتحان القابة العامة للمحامين بولايته و قد ينجح بإمتحان النقابة بولاية أخرى ، و لكنه في النهاية يلتزم بالعمل بنفس الولاية التي اصبح فيها محامياً و لا يمكنه ممارسة المحاماة في أي ولاية أخرى .
نأتي الآن إلى 3 أسئلة قد تثور في عقل أي قارئ و هي :
س 1- كيف تتم الإمتحانات في المراحل الدراسية سواء الجامعة أو مرحلة المدارس المهنية؟
- يتم عمل الإمتحان بأسئلة متعددة عبارة عن إختيارات فالإمتحان يشترط لتجاوزه الفهم و ليس الحفظ ، و عن طريق الأسئلة الإختيارية يتم معرفة الطالب الأكثر إستيعاباً .
- كما يسمح للطلبة بجلب أي كتب يريدون الإستعانة بها أثناء الإمتحان ، و قد يتعجب البعض من مثل هذا التصرف ! إلا أن الفكرة العامة هي إرتباط الطالب بالوقت ، و لو أضاع الطالب الوقت للبحث عن إجابة سؤال فإنه لن يستطيع الإجابة على باقي الأسئلة لضيق الوقت ، أما و إن إستطاع الطالب البحث في كافة الكتب عن كافة الإجابات للأسئلة فإنه يكون طالب فذ و غير عادي و لا يقل في الذكاء أو الفهم عن غيره ممن لم ينقلوا الإجابات عن طريق الكتب و لكن هذا النوع من الطلاب نادراً ما يكون موجود .
س 2- كم تصل نسبة المصاريف في مرحلة الجامعة ، و من أين يأتي الطلاب بمصاريف الدراسة ؟
- يجب أن نعلم أن التعليم متاح لمن هو قادر و يملك من الأموال ما يمكنه من الدراسة .
- كما أن غير القادرين على دفع مصاريفهم الدراسية من الطلاب ، يلجأون إلى العمل أثناء الدراسة حتى يتمكنوا من دفع رسوم الدراسة .
- توجد منظمات من المجتمع المدني تعطي منحاً دراسية بناء على طلبات تقدم إليها من غير القادرين مالياً على دفع رسوم الدراسة .
- كما أن بعض الجامعات في المرحلة الأولى تعطي بعض المنح الدراسية للطلاب المتفوقين و اللذين لديهم رغبة حقيقية في إستكمال دراستهم .
- كافة المنح الدراسية تعد منحاً يجب أن يردها الطالب فيما بعد ، أي بعدما ينهي دراسته و يصبح قادراً على الكسب ، و قد تزيد مدة رد المنحة التي حصل عليها إلى أكثر من 10 سنوات ميلادية .
- تصل قيمة الرسوم في بعض الجامعات إلى أكثر من 40000 $ أربعين الف دولار في العام الدراسي الواحد أي 160000 $ مائة و ستون الف دولار في الــ 4 أعوام .
س 3- ماهي العلاقة بين الأستاذ الجامعي و الطالب ، و كيف تسير و ماذا لو إضهد أستاذ جامعي أحد الطلاب ؟
- في بلد مثل مصر تعلق روح الطالب في يد أستاذ الماده ! و يستطيع أستاذ المادة أن يضطهد ما يشاء من الطلاب و له كل الحق في جعل نتيجة هؤلاء الطلاب راسبة !! بينما في الجامعات الأمريكية يختلف الوضع فلو قام أحد الأساتذة بإضهاد أحد الطلاب و قام الطالب بتقديم شكوى ضد أستاذ المادة فإن ورقة إجابته يعاد تصحيحها و إذا ما ثبت إضهاد الأستاذ للطالب فإنه قد يحال إلى المحاكمة و ليس مجرد تعديل ورقة إجابة الطالب .
- يقوم الطلاب في نهاية كل ترم دراسي بعمل تقييم لأستاذ الماده و على حسب رأي الطلاب في أستاذ الماده تتحدد إدارة الجامعة إما بقاء الأستاذ في الجامعة أو الإستغناء عن التعاقد معه .
- في النهاية يجب أن يشوب العلاقة بين الطالب و الأستاذ نوع من الإحترام و التقدير و إلا فإن المخطئ من أي منهما سيلقى عقاباً .
ملاحظة أخيرة :
لا يوجد في أمريكا في مرحلة الدراسة في ما قبل الجامعة أو التعليم الجامعي فصول للمتفوقين إذ أن فصول المتفوقين قد تزرع الكراهية بين الطلاب و خاصة في مرحلة ما قبل الجامعة ، و تسبب نوعاً من التمييز و قد تتسبب في آثار نفسية سيئة على الطلاب اللذين ليسوا في هذه الفصول ، و طبعاً من أفضل دول العالم التي تمارس تطبيق نظام فصول المتفوقين هي مصر ، و الواقع أني أتعجب ألا يعلم وزراء التربية و التعليم هذه المعلومة الشديدة الخطورة !؟ و لا أجد ما أقول سوى لك الله يا شعب مصر .
في النهاية هذا هو نظام التعليم في أمريكا أطرحه على شعب مصر و الشرق الأوسط حتى يعلم كل فرد إلى أي مسار يأخذه نظامه الحاكم .. أعتذر عن الإطالة و لنا حديث في مقال قادم حول موطن آخر من مواطن القوة الأمريكية و سيكون حول "العلمانية الأمريكية" و سأشرح في المقال القادم لماذا قلت العلمانية الأمريكية و لم أقول العلمانية فقط .
و على الله قصد السبيل
شادي طلعت